رسالة إلى أشاي


بقلم لِيلي البينو اكول اكول

أخبريهم يا أشاي عن الفرق بين نباح الكلاب و زئير الأسود. أخبريهم عن الصمود, أخبريهم عن أبيي العزة و الكرامة. أخبريهم أختاه فأنتِ الشجرة التي لا تنحني للرياح...أنتِ الشجرة التي لا تقتلعها الأعاصير. لقد امتزجت جذوركِ في إمتدادها بتاريخ هذه المنطقة فأصبحتي أبيي رمز القوة...رمز المثابرة...رمز النضال. نعم, أنتِ أبيي رمز الحرية. حديثيهم أختاه فأنتِ من امتزجت أغصانكِ الفارعة بحب هذه المنطقة فصرتي المأوى...صرتي دار الأمان...صرتي ملجأ الاطمئنان...صرتي أبيي.

كلميهم يا أشاي بأنكِ الشجرة العتيقة...بأنكِ التاريخ. ذكريهم كيف لعب في ظلالكِ الوارفة ألور و بيونق...فكريهم كم لعب و مرح  تحتكِ مجوك و كم بنت أور القصور من طين؟! أخبريهم بأنكِ حاملة أسرار هذه المنطقة...بأنكِ الشاهدة عن البداية. أخبريهم بأنكِ الشاهدة عمّن مرّ من هنا...من كان...من أتى...من لم يعد أدراجه...و بأنكِ حتماً ستكونين الشاهدة عن النهاية...ستكونين الشاهدة عمّن سيبقى. أخبريهم يا أشاي.

ذكريهم أختاه بأنكِ الصنديدة التي لا ترعبها أزيز الرصاص و لا قاذفات الأنتنوف. و كيف ترعبين و أنتِ من قدمتي فلذات اكبادك قرباناً في معبد الحرية. كيف ترعبين و أنتِ  اليتيمة...أنتِ  الثكلى...أنتِ الارملة التي رفضت البكاء و قررت الوقوف لتضميد الجراح. كيف ترعبين و أنتِ تنتمين إلى شعب لا يعرف الخوف طريقاً...شعب لا يستسلم و لا ينهكه النضال في سبيل الحرية. و هل مثلكِ تخشى أصوات الدوشكات يا أشاي؟ و هل مثلكِ ترتجف لأصوات المتسولين؟ و هل تبالي مثلكِ بتفاهات الغوغائيين؟ فكيف تجزعين يا أشاي؟! كيف تذرفين الدموع و أنتِ تعلمين يقيناً أن أبيي لكِ و حتماً.

نعم يا أشاي, أنتي أبيي...أنتي أبيي الحرة...أنتي أبيي الجنوبية. قوليها يا أشاي بصوتٍ عالي و أعلنيها: أبيي لكِ...أبيي لنا...أبيي جنوبية. فلماذا تجزعين أختي؟ ماذا فعلوا بكِ الأوغاد؟  هل قتلوا الأهل و الأحباب؟ هل ذبحوا الأطفال؟ هل حرقوا البيوت؟ هل نهبوا الأموال و الممتلكات؟ كيف لا و هذه هي شيمتهم...كيف لا و هذه هي سجاياهم فلا يهزنّكِ جعجعاتهم الجوفاء يا أشاي. ماذا فعل الأوغاد؟ أما زالوا يتراقصون على جثث الأموات؟ أما زالوا يتصارعون على الغنائم؟ أما زالوا يسكرون؟ ماذا فعل الأوغاد؟ الخذي شيمتهم يا أشاي فلا يهزنّكِ صيحات الشراذم.

لا يخدعنّكِ انتصارات الجبناء. هل تذكرين كيف كان يرقص جنرالاتهم كما لا يرقص الرجال؟ هل تذكرين كيف كانوا يهددون و يتوعدون؟ هل تذكرين كيف بذلوا الغالي و النفيس حتى نظل عبيداً لا نقوى على شئ؟ و لكننا في النهاية انتصرنا يا أشاي, نعم, انتصرنا بعزمنا و اصرارنا. هزمنا الطاغية و فضحنا الأكذوبة التي كانت تُسمى دولة السودان. اخترنا الحرية و حريتنا هي حرية أبيي. أوليست أبيي منّا يا أشاي؟ فضلنا الحرية و اسقلالنا هو استقلال أبيي...انتصارنا هو انتصار أبيي. فكيف تبكين يا أشاي؟ كيف تظنين اننا سنترككِ مع الذئاب؟ كيف تظنين اننا سندعكِ رهينة عند من لا يؤتمن. حاشا و كلا يا أشاي, حاشا و كلا.

خذيها منّا وعداً يا أشاي و وعد الحر دين: لن يكون الجنوب ما لم تكن أبيي, و لن يغمض لنا جفن ما لم تنام أبيي قريرة العين. فلا تحزني أختي و لا تسكبي الدموع. و عما قريب يا أشاي ستزغردين فرحاً. عما قريب ستحتضنين بيونق...ستقبلين أور...و سترقصين مع مجوك. عما قريب يا أشاي, سيمتلئ الأفاق بصوتكِ الرنان و أنتي تغنين أغاني النصر.

و سيكتب التاريخ عنكِ يا أشاي. سيكتب عنكِ التاريخ لأنكِ أضفتي إليها درساً جديداً في معاني الحرية. سيكتب التاريخ عنكِ يا أشاي لأنكِ أضفتي إليها معانٍ جديدة في الصمود و النضال. سيؤرخ التاريخ سيرتِك يا أشاي لأنكِ علمتي الشعوب ماذا يعني التضحية من أجل شئ أكبر و أنبل من الحياة. نعم أشاي, سيكتب عنكِ التاريخ و سيقف الشعوب اجلالاً لكِ و اكراماً. سيُردد اسمكِ جيل بعد جيل و ستكونين كما كنتي دوماً رمز المثابرة...رمز الحرية.

قفي شامخة يا أشاي...قفي شامخة... فأنتي من امتزجت جذورِك بتاريخ هذه المنطقة فصرتي أبيي الأم...صرتي أبيي الوطن. قفي شامخة يا أشاي فأنتي أبيي الشجرة العتيقة...أنتي أبيي الشجرة التي لا تنحي للرياح...أنتي أبيي الشجرة التي لا تقتلعها الأعاصير. قفي شامخة يا أشاي فأنتي أبيي الجنوبية.