بقلم لِيلي البينو أكول
بتاريخ ٣٠ يوليو ٢٠١٠
الذكرى الخامسة لمصرع القائد الراحل المقيم د. جون قرنق دي مبيور
و الاحتفاء بيوم شهداء جنوب السودان
بتاريخ ٣٠ يوليو ٢٠١٠
الذكرى الخامسة لمصرع القائد الراحل المقيم د. جون قرنق دي مبيور
و الاحتفاء بيوم شهداء جنوب السودان
لو كتب صديقنا منقو قصيدة اليوم، لكتب قصيدة يحكي فيها عن مأساة شعبٍ يُسمى بشعب جنوب السودان. لكتب عن إنسان الجنوب و ما عاناه من جهلٍ وفقر و مرض منذ أكثر من خمسين عاماً. لكتب عن ما عاناه الإنسان الجنوبي من احتقارٍ و مذلة، و ما واجهه من ظلمٍ و جور. لكتب عن نزوحه، وعن تشرده و تهجيره. لكتب منقو عن معاناة الجنوبي و عن رحلته الشاقة و هو يجوب كل بقاع الأرض بحثاً عن الأمن و الطمأنينة.
لو كتب صديقنا منقو قصيدة اليوم، لكتب قصيدة يحكي فيها عن مأساة أرضٍ تٌسمى بجنوب السودان.لكتب عن الجنوب، هذه الأرض التي لم ترى سوى الحرب و الخراب، هذه الأرض التي سقتها دماء الأبرياء من أبنائها ففاضت حزناً و ألماً و فقدت المقدرة على العطاء. لكتب منقو عن جنوب السودان، الأرض التي شابها اليأس و البؤس فباتت لا تعد إلاّ بغدٍ مظلم و بكل ما هو مخيف و مرعب.
لو كتب صديقنا منقو قصيدة اليوم، لكتب قصيدة يحكي فيها عن مأساة أطفال الجنوب، أطفالٌ لم يعرفوا معنى الطفولة. لكتب قصيدة يبكي فيها برأءتهم التي أُنتزعت منهم عنوة، و ينعى فيها طفولتهم التي آُغتيلت. لكتب منقو قصيدة يبكي فيها أيتام الجنوب و يروي فيها أقاصيصهم. و أيّة أقاصيص؟! فهي أقاصيصٌ منسوجة من واقعهم الأليم. أقاصيصٌ مضمونها الهلع و الخوف و ملخصها الجماجم الأدمية و الموت.
لو كتب صديقنا منقو قصيدة اليوم، لكتب قصيدة يحكي فيها عن مأساة نساء جنوب السودان. لكتب عن دموع الامهات و أحزان الثكالى و عويل الأرامل. لكتب عن معاناة المرأة الجنوبية ، عن جلدها و إهانتها و رميها في السجون. لكتب منقو عن ما عانته المرأة الجنوبية من قهرٍ حين تمّ إستخدامها كآلة حرب. لكتب عن اغتصابها و إستبدادها. و لكتب منقو كذلك عن صبرها و صمودها لأنها رغم الإذلال لم تنحني، بل ظلّت شامخة شموخ جبال الاماتونج.
نعم، لو كتب صديقنا منقو قصيدته اليوم، لكتب قصيدة مأساوية لأنها قصيدة جنوبية. لكتب قصيدة تراجيدية يحكي فيها عن تدمير الإنسانية، يحكي فيها عن الذل و الهوان، يحكي فيها عن الكراهية العمياء، و لكتب منقو قصيدة يحكي فيها عن تداعيات التفرقة العرقية و العنصرية البغيضة. و لكن هيهات، فمنقو الجنوب لم يكتب قصيدته بعد و كذب من قال انه فعل.
كذب من قال انه فعل لأن منقو لو كتب قصيدته اليوم، لكتب قصيدة يحكي فيها عن مأساة وطنٍ فقد أهلية الوطن. لكتب قصيدة يدين فيها هذا الوطن لأن الوطن الذي يذبح ابناءه كما تذبح الشاة يفقد أهلية الوطن. الوطن الذي يسفك دماء أبنائه لإختلاف لون بشرتهم و معتقداتهم يفقد أهلية الوطن. الوطن الذي يرمي بابنائه في العراء ثمّ يقف ساكناً لا يتحرك و أنياب الحيوانات المفترسة تفتك بهم و تلتهمهم أحياء لايمكن أن يُسمى بوطن. و هل يمكن أن ننادي وطن يغتصب نساءه وطناً؟ وهل يجدر بنا أن نسمي وطن يسرق البسمة من وجوه أطفاله بوطن؟
كذب من قال انه فعل لأن منقو الجنوب لو كتب قصيدته اليوم، لكتب قصيدة يهجو فيها الوطن. لكتب قصيدة يحكي فيها عن ظلم الوطن و عن تسلط و جبروت الوطن. لكتب عن خيانة الوطن، و عن حقد الوطن الدفين و غدر الوطن. لتساءل منقو: عن أيّ وطنٍ يتحدثون؟ لتبراء من هذا الوطن و لكتب يقول: فليذهب هذا الوطن غير مأسوفٍ عليه و لنمضي في رحلة البحث عن وطن. وطن يقبلنا، وطن يضمنا و يضمد جراحنا. وطن يعوضنا عن الحرمان عطاء متدفق، وعن العنصرية أخوة، و عن الكراهية محبة. وطن يعوضنا عن المذلة احترام، و عن القهر و الإستبداد عدالة و حرية و مساواة. لنمضي نحن في رحلة البحث عن وطن نردد نشيده باصواتٍ عالية لأنه يمثلنا و يعكس تاريخنا. لنمضي في رحلة البحث عن وطن نرفع علمه عالياً بكل فخرٍ و اعتزاز لأنه منا و نحن منه.
لم يكتب صديقنا منقو قصيدته بعد و إن فعل، لكتب قصيدة يرثي فيها الجنوب أرضاً و شعباً و تاريخاً. لكتب قصيدة رثاء يبكي فيها ملايين الأرواح الجنوبية التي راحت هدراً. لكتب قصيدة رثاء يلقي فيها تعظيم سلام للأشاوس اللذين دافعوا عن الأرض و العزة و الكرامة فسطروا تاريخ الجنوب الأسود بدمائهم الطاهرة. لكتب قصيدة رثاء أبطالها من كانوا في التضحية و نكران الذات كالشمعة التي تحترق حتي تضئ للأخرين الطريق. لكتب منقو قصيدة رثاء يؤرخ فيها نضال شعب الجنوب عبر الأجيال، نضالٌ أبطاله القس ساتورنينو لوهوري، وليم دينق نيال ود. جون قرنق دي مبيور. نضالٌ أبطاله أهل الجنوب، نضالٌ أبطاله أرض الجنوب.
نعم، لو كتب صديقنا منقو قصيدة اليوم، لكتب قصيدة مأساوية لأنها قصيدة جنوبية. لكتب قصيدة تراجيدية يحكي فيها عن تدمير الإنسانية. لكتب قصيدة هجائية يحكي فيها عن ظلم الوطن. لتساقطت دموع منقو و لبكينا معه. لطرح منقو الأسئلة و لتساءلنا معه: عن عن أيّ وطنٍ يتحدثون؟ فليذهب هذا الوطن غير مأسوفٍ عليه و لنمضي نحن في رحلة البحث عن وطن.
و لكن منقو الجنوب لم يكتب قصيدته بعد!
***صديقنا منقو قصيدة للشاعر السودانى عبد اللطيف عبد الرحمن و تدرس في المدارس السودانية ضمن منهج الأناشيد والمحفوظات للصف الرابع الإبتدائى***